Saturday, August 7, 2010

القاتل هل يرث ويورث ::: قال الشيخ ابن عثيمين في شرح الزاد :

«الولاء» يعني ما هو الولاء وما كيفية الإرث به؟

قوله: «من انفرد بقتل مورثه»
بأن أخذ السيف وجَزَّ رأسه، هذا منفرد،

أو دهسه بالسيارة بلا عمد لكن خطأ فهذا منفرد.

قوله: «أو شارك فيه» بأن صار الخطأ في الحادث بينه وبين آخر، أو اشترك اثنان في قتله، كل واحد قتله بسهمه.

قوله: «مباشرة» بأن يفعل سبب القتل هو بنفسه مباشرة.

قوله: «أو سبباً» بأن يحفر أمامه حفرة فيسقط فيها، فهنا ما باشر، لكن كان سبباً.
قوله: «بلا حق» فإن كان بحق ـ وسيذكره المؤلف ـ فإنه يرث.

قوله: «لم يرثه إن لزمه قود أو دية أو كفارة» يلزمه القود إذا كان عمداً، وتلزمه الدية إذا كان خطأ أو شبه عمد، وتلزمه الكفارة ـ على المشهور من المذهب ـ إذا قتل بين صف الكفار لقوله تعالى: {{فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}} [النساء: 92] ، ولم يذكر الدية، وهذا في المؤمن إذا كان في صف الكفار، ثم قتله مؤمن فهذا يلزمه الكفارة، ولا تلزمه الدية؛ لأنه أهدر نفسه حيث صار في صف الكفار.
والقول الثاني في الآية: أنها في المؤمن يكون ورثته كفاراً، وهذا هو الصحيح والمتعين، فهو رجل مؤمن ورثته كفار أعداء لنا، فهذا تجب فيه الكفارة؛ لأنه مؤمن، ولا تجب الدية؛ لأننا لو بذلنا الدية سيأخذها الكفار، فلا نعطيهم ما يستعينون به على قتال المسلمين.
قوله: «والمكلف وغيره سواء» ، يعني حتى غير المكلف، فلو كان صبي له عشر سنوات يلعب ببندقية وأصاب مورثه فإنه لا يرث؛ لأن هذه حقوق مالية تتعلق بالعباد، فلا فرق فيها بين المكلف وغير المكلف.
وظاهر كلام المؤلف أنه لا يرث القاتل ولو كان خطأ محضاً، واستدل هؤلاء بحديث: «ليس للقاتل من الميراث شيء» [(118)]، وهذا لا يصح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وإذا لم يصح نرجع إلى القواعد العامة، فإذا علمنا يقيناً أن هذا الوارث لم يتعمد القتل فإننا لا نمنعه؛ لانه قد استحق الميراث، فكيف نحرمه منه؟! وهذا يقع كثيراً.
ونضرب مثلاً يتبين به ضعف هذا القول، أنه لا يرث ولو كان خطأ محضاً: رجل له ولدان وهو ذو أموال كثيرة، أما الأكبر منهما فكان عاقاً لأبيه ولا يعرفه، وأما الثاني فهو بار بأبيه يخدمه ويجتهد في كل بر وإحسان، فقال الرجل للولد البار: أحب أن أذهب إلى العمرة، والولد يجيد قيادة السيارة، سافر هو وأبوه وأراد الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يكون حادث على يد هذا الولد البار خطأ بدون قصد، مات الأب وعنده الملايين، من يرثه؟ العاق يرثه والبار لا يرثه!! لا يمكن أن تأتي الشريعة بمثل هذا، ابن يحب أن تكون المصيبة عليه دون أبيه، ويحب أن ينجرح رأسه دون أن يَمس أصبعَ أبيه شيءٌ نقول: يُحرم من الميراث، وهذا الولد العاق هو الذي يرث!! الشريعة لا تأتي بمثل هذا، وما دام الحديث لم يصح فلنرجع إلى القواعد العامة، فهل يمكن أن يتهم هذا الذي كان باراً بأبيه بأنه تعمد قتله لأجل أن يرثه؟ لا يمكن بأي حال من الأحوال، ولهذا نقول: القول الصواب في هذه المسألة الذي لا يجوز سواه فيما نرى، أن القتل خطأً لا يمنع من الميراث، وأننا لو منعناه من الميراث فقد حرمناه حقاً أثبته الله له في كتابه {{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ}} [النساء: 11] .
والتهمة في مثل هذه الصور التي ذكرناها بعيدة جداً، وإذا كانت التهمة بعيدة وسبب الإرث موجود، فكيف نمنع نفوذ هذا السبب من أجل طرد القاعدة؟!

لا يصح،

ولهذا كان مذهب الإمام مالك ـ رحمه الله ـ في هذه المسألة أصح المذاهب،

يقول: لا يمكن أن نمنع هذا من الميراث،

ولا نمنعه إلا إذا عرفنا أنه أخذ السكين، وأضجع والده فذبحه،

ففي هذه الحال لا يرث؛

لأن التهمة قوية جداً،

لا سيما إن كان قد توعده،

وقال: يا أبي أعطني أتزوج، أنا ما عندي فلوس، قال: لا، قال الولد: بيني وبينك الأيام سأرثك غصباً عليك، ثم جاء يوم من الأيام وأضجعه وذبحه بالسكين، هذا لا يمكن أن نورثه ولا تأتي الشريعة بتوريثه؛ لأنه تعمد قتل أبيه لينال ميراثه،

وما أحسن ما قعَّده ابن رجب ـ رحمه الله ـ

قال: «من تعجل شيئاً قبل أوانه على وجه محرم عوقب بحرمانه».


إذاً القول الراجح في مسألة القتل أنه إذا تعمد الوارث قتل مورثه عمداً لا شك فيه فإنه لا يرث،

وإن كان خطأ فإنه يرث،

ولكن هل يرث من الدية التي سيبذلها؟

لا يرث؛ لأن الدية غرم عليه، وقد جاء في حديث رواه ابن ماجه: «أنه يرث من تلاد ماله» [(119)]، يعني قديمه، فيرث من المال لا من الدية.
وفي قولنا: لا من الدية، إشارة إلى أن الدية تثبت على ملك المقتول، فتكون ملكاً للمقتول تورث عنه ويخرج منها الثلث، وهنا يجب أن ننتبه إلى مسألة مهمة، وهي أن بعض الناس إذا حضر القاتل خطأً رحموه، ورقوا له وعفوا عن الدية، فالمقتول له أولاد صغار أو أولاده كلهم راشدون، ولكن عليه دين فيعفون، فالعفو هنا غير صحيح؛ لأن الميراث لا يثبت إلا بعد قضاء الدين {{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ}} [النساء: 11] ، فإذا عفوا والميت عليه دين، قلنا: العفو غير صحيح، وتؤخذ الدية ويقضى بها دين الميت، وهذه مسألة قَلَّ من ينتبه لها، ولذلك على أولياء المقتول ألا يعفوا حتى ينظروا هل عليه دين أو لا؟ ثم بعد ذلك ينظرون هل في الورثة قُصَّر أو لا؟

وَإِنْ قُتِلَ بِحَقٍّ قَوَداً أَوْ حَدًّا أَوْ كُفْراً أَوْ بِبَغْيٍ ..............
قوله: «وإن قتل بحق قوداً» يعني قصاصاً فإنه يرث، مثال ذلك: أخوان لهما أب فقام الأكبر فقتل أباه عمداً فإنه لا يرث منه، فقام الأصغر وقتل أخاه قصاصاً يرث، إذاً صار ميراث الأب والابن الأكبر للأخ الصغير، فحاز ميراث الرجلين، أما أبوه؛ لأن أخاه قتله عمداً فلا حق له، وأما أخوه فلأنه قتله بحق.
قوله: «أو حدًّا» هل هناك شيء من الحدود يصل إلى القتل؟ نعم، رجم الزاني، لو أن الوارث شارك في رجم الزاني، الذي هو مورثه فإنه يرث.
قوله: «أو كفراً» نحن ذكرنا أن من موانع الإرث اختلاف الدين، فكيف يقتله بالكفر؟ هذا على القول بأن الولاء لا يمنع فيه اختلاف الدين فتصح هذه الصورة، أو القول بأن المرتد يرثه أقاربه كما هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ.


قوله: «أو ببغي» يشير إلى البغاة وهم الذين يخرجون على الإمام ـ يعني على السلطان ـ بتأويل سائغ،

فيقولون للإمام:

أنت فعلت كذا وفعلت كذا، فهؤلاء بغاة يُقاتَلون، يجب على الرعية أن يساعدوا السلطان على قتالهم؛ لأنهم بغاة، والأئمة لا يجوز الخروج عليهم إلا بشروط مغلظة؛

لأن أضرار الخروج عليهم أضعافُ أضعافُ ما يريد هؤلاء من الإصلاح،

وهذه الشروط هي:

الأول: أن نعلم علم اليقين أنهم أتوا كفراً.

الثاني: أن نعلم أن هذا الكفر صريح ليس فيه تأويل، ولا يحتمل التأويل، صريح ظاهر واضح؛ لأن الصريح كما جاء في الحديث هو الشيء الظاهر البين العالي، كما قال الله تعالى عن فرعون أنه قال لهامان: {{ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ}{أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ}} [غافر: 36، 37] فلا بد أن يكون صريحاً، أما ما يحتمل التأويل، فإنه لا يسوِّغ الخروج عن الإيمان.



الثالث: أن يكون عندنا فيه من الله برهان ودليل قاطع مثل الشمس أن هذا كفر، فلا بد إذن أن نعلم أنه كفر، وأن نعلم أن مرتكبه كافر لعدم التأويل، كما قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان»[(120)] وقالوا: أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة[(121)] ، أي: ما داموا يصلون.


الرابع: القدرة على إزالته، أما إذا علمنا أننا لا نزيله إلا بقتال، تُراقُ فيه الدماء وتستباح فيه الحرمات، فلا يجوز أن نتكلم أبداً، ولكن نسأل الله أن يهديه أو يزيله؛ لأننا لو فعلنا وليس عندنا قدرة، فهل يمكن أن يتزحزح هذا الوالي الكافر عما هو عليه؟ لا، بل لا يزداد إلا تمسكاً بما هو عليه، وما أكثر الذين يناصرونه، إذاً يكون سعينا بالخروج عليه مفسدة عظيمة، لا يزول بها الباطل بل يقوى بها الباطل، ويكون الإثم علينا، فنحن الذين وضعنا رقابنا تحت سيوفه، ولا أحد أحكم من الله، ولم يفرض القتال على النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه ـ رضي الله عنهم ـ إلا حين كان لهم دولة مستقلة، وإلا فإنهم كانوا يهانون في مكة، الذي يحبس، والذي يقتل، والذي توضع عليه الحجارة المحماة على بطنه، ومحمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرجع من الطائف، يرمونه بالحجارة حتى أدموا عقبه[(122)]، ولم يؤمر بالقتال؛ لأن الله حكيم؛ ولذلك مع الأسف الشديد لا تجد أحداً عصى الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وخرج على الإمام بما للإمام فيه شبهة، إلا ندم وكان ضرراً على شعبه، ولم يزل الإمام، ولا أريد بالإمام الإمام الأعظم؛ لأن الإمام الأعظم ذهب من زمان، لكن إمام كل قوم من له سلطة عليهم.


المهم إذا خرج الوارث مع الإمام يقاتل البغاة فقتل مورثه فإنه يرث؛ لأنه قاتَلَهُ وَقَتَلَهُ بحق، قال الله تعالى: {{فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}} [الحجرات: 9] .





أَوْ صِيَالَةٍ أَوْ حِرَابَةٍ أَوْ شَهَادَةِ وَارِثِهِ، أَوْ قَتَلَ العَادِلُ البَاغِيَ وَعَكْسُهُ وَرِثَهُ، وَلاَ يَرِثُ الرَّقِيقُ وَلاَ يُورَثُ، ........



قوله: «أو صيالة» ، هذا مورث صال على وارثه ولم يندفع إلا بالقتل، فله قتله، يدافع بالأسهل فالأسهل، فإذا لم يمكن دفاعه إلا بالقتل فقتله فإنه يرث؛ لأن الصائل لا حرمة له.



قوله: «أو حرابة» ، الحرابة يعني المحاربين الذين يتعرضون للناس بالسلاح في الصحراء، أو في البنيان ويغصبونهم المال مجاهرة لا سرقة، ويُسمَّوْن قطاع الطريق، فإذا قتلهم فإنه يرث إذا كان وارثاً.
قوله: «أو شهادة وارثه» ، يعني الوارث شهد بحق أن هذا قاتِلُ هذا، وكان القاتل مورثاً للشاهد فإنه يرث؛ لأن الشاهد قام بحق واجب عليه.
قوله: «أو قتل العادلُ الباغيَ وعكسه ورثه» ، الفرق بينهما أن العادل مدافع والباغي مهاجم، فإذا كان هناك بغاة خرجوا على الإمام، وقتل العادلُ الباغيَ أو بالعكس، فيقول المؤلف: إنه يرثه، وقيل: إن قتل الباغي العادلَ فإنه لا يرث؛ لأنه ليس بحق، وهو الراجح.


كتاب الفرائض من كتاب منار السبيل ــ كاملا

كتاب الفرائض

وهي : العلم بقسمة المواريث أي فقه المواريث ، ومعرفة الحساب الموصل إلى قسمتها بين مستحقيها . ويسمى العارف بهذا العلم : فارضاً ، وفريضاً ، وفرضياً . وقد حث صلى الله عليه وسلم ، على تعلمه وتعليمه في أحاديث منها : حديث ابن مسعود مرفوعاً : تعلموا الفرائض وعلموها الناس ، فإني إمرؤ مقبوض ، وإن العلم سيقبض ، وتظهر الفتن حتى يختلف إثنان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما رواه أحمد والترمذي والحاكم ، ولفظه له . وعن أبي هريرة مرفوعاً : تعلًموا الفرائض وعلموها ، فإنها نصف العلم ، وهو ينسى ، وهو أول علم ينزع من أمتي رواه إبن ماجه والدارقطني من حديث حفص بن عمر ، وقد ضعفه جماعة . وقال عمر ، رضي الله عنه : إذا تحدثتم فتحدثوا بالفرائض ، وإذا لهوتم فالهوا بالرمي .
وإذا مات الإنسان بدىء من تركته بكفنه وحنوطه ومؤنة تجهيزه من رأس ماله ، سواء كان قد تعلق به حق رهن أو أرش جناية أو لا
كما يقدم المفلس بنفقته على غرمائه .
وما بقي بعد ذلك تقتضى منه ديون الله تعالى كالزكاة ، والكفارة ، والحج الواجب ، والنذر .
وديون الآدميين كالقرض ، والثمن ، والأجرة ، وقيم المتلفات ، لقوله تعالى : من بعد وصية يوصى بها أو دين [ النساء : 11] قال علي ، رضي الله عنه إن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قضى أن الدين قبل الوصية رواه الترمذي وابن ماجه .
وما بقي بعد ذلك تنفذ وصاياه من ثلثه للآية ، إلا أن يجيزها الورثة ، فتنفذ من جميع الباقي .
ثم يقسم ما بقي بعد ذلك على ورثته للآيات في سورة النساء .


فصل

وأسباب الإرث ثلاثة :
النسب أي : القرابة قربت أو بعدت ، لقولة تعالى : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض [ الأحزاب : 6 ]
والنكاح الصحيح لقوله تعالى : ولكم نصف ما ترك أزواجكم [النساء : 12] الآية .
والولاء لحديث ابن عمر مرفوعاً : الولاء لحمة كلحمة النسب رواه ابن حبان و الحاكم وصححه . ولا يورث بغير هذه الثلاثة . نص عليه .قال في الكافي : فأما المؤاخاة في الدين ، والموالاة في النصرة ، وإسلام الرجل على يد الآخر، فلا يورث بها ، لأن هذا كان في بدء الإسلام ، ثم نسخ بقوله تعالى : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض [ الأحزاب : 6] الآية إنتهى . ولا يرث المولى من أسفل ، وقيل : بلى عند عدم غيره ذكره الشيخ تقي الدين ، لخبر عوسجة مولى ابن عباس عنه : أن رجلاً مات ولم يترك وارثاً إلا عبداً هو أعتقه ، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ، ميراثه رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه . قال : والعمل عند أهل العلم في هذا الباب : أن من لا وارث له فميراثه في بيت المال . وعوسجة وثقه أبو زرعة ، وقال البخاري في حديثه : لا يصح .
وموانعه ثلاثة :
القتل لما روي عن عمر ، رضي الله عنه : أنه أعطى دية ابن قتادة المدلجي لأخيه دون أبيه ، وكان حذفه بسيف فقتله . وقال عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : ليس لقاتل شئ رواه مالك في الموطأ ولأحمد عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده نحوه . وعن ابن عباس مرفوعاً : من قتل قتيلاً فإنه لا يرثه ، وإن لم يكن له وارث غيره ، وإن كان والده أو ولده ، فليس لقاتل ميراث رواه أحمد . فكل قتل يضمن بقتل أو دية أو كفارة يمنع الميراث لذلك وما لا يضمن كالقصاص ، والقتل في الحد لا يمنع ، لأنه فعل مباح ، فلم يمنع الميراث . والرق فلا العبد قريبه ، لأنه لو ورث شيئاً لكان لسيده ، فيكون التوريث لسيده دونه . وأجمعوا على أن المملوك لا يورث ، لأنه لا ملك له ، وإن ملك فملكه ضيف يرجع إلى سيده ببيعه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : من باع عبداً وله مال فماله للبائع ، إلا أن يشترطه المبتاع فكذلك بموته . وكذا المكاتب، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم . رواه أبو داود .
وإختلاف الدين فلا يرث مسلم كافراً ، ولا كافر مسلماً ، لحديث أسامة بن زيد مرفوعاً : لا يرث الكافر المسلم ، ولا المسلم الكافر متفق عليه .
والمجمع على توريثهم من الذكور - بالإختصار - عشرة : الإبن ، وإبنه وإن نزل بمحض الذكور ، لقوله تعالى : يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين [ النساء : 11] الآية . وإبن الإبن إبن لما تقدم في الوقف .
والأب وأبوه وإن علا بمحض الذكور ، لقوله تعالى : ولأبويه لكل واحد منهما السدس [ النساء : 11] الآية - والجد أب ، وقيل ثبت إرثه بالسنة ، لأنه صلى الله عليه وسلم أعطاه السدس .
والأخ مطلقا ً أي : لأب أو لأم أو لهما ، لقوله تعالى : وهو يرثها إن لم يكن لها ولد [ النساء : 176] . وقوله : وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس [ النساء : 12] .
وإبن الأخ لا من الأم لأنه من ذوي الأرحام ، وإبن الأخ لأبوين ، أو لأب عصبة .
والعم لا من الأم .
وإبنه كذلك أي : لا من الأم ، لحديث : ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر .
والزوج لقوله تعالى : ولكم نصف ما ترك أزواجكم [ النساء : 12 ].
والمعتق وعصبته المتعصبون بأنفسهم ، لحديث : الولاء لمن أعتق . متفق عليه . وللإجماع .
ومن الإناث - بالإختصار - سبع : البنت وبنت الإبن وإن نزل أبوها بمحض الذكور ، لقوله تعالى : يوصيكم الله في أولادكم [ النساء : 11] وحديث ابن مسعود في بنت ، وبنت إبن ، وأخت ... ويأتي .
والأم لقوله تعالى : وورثه أبواه [ النساء : 11] .
والجدة مطلقاً لما يأتي .
والأخت مطلقاً شقيقة كانت أو لأب أو لأم ، لآيتي الكلالة .
والزوجة لقوله تعالى : ولهن الربع مما تركتم [ النساء : 12] .
والمعتقة لما تقدم . وما عدا هؤلاء فمن ذوي الأرحام - ويأتي حكمهم إن شاء الله - .


فصل

والوارث ثلاثه
ذو فرض ، وعصبة ، ورحم ولكل كلام يخصه .
والفروض المقدرة في كتاب الله تعالى .
ستة : النصف ، والربع ، والثمن ، والثلثان ، والثلث ، والسدس وأما ثلث الباقي فثبت بالإجتهاد .
وأصحاب هذه الفروض - بالإختصار - عشرة : الزوجان ، والأبوان ، والجد ، والجدة مطلقاً ، والأخت مطلقاً ، والبنت وبنت الإبن ، والأخ من الأم على ما يأتي مفصلاً ، والإخوة لأبوين ، ذكوراً كانوا أو إناثاً يسمون : بني الأعيان ، لأنهم من عين واحدة ، ولأب وحده بني العلات : جمع علة ، وهي : الضرة ، فكأنه قيل : بنو الضرات . قال في القاموس : وبنو العلات بنو أمهات شتى من رجل ، لأن الذي يتزوجها على أولى قد كان قبلها تأهل ، ثم عل من هذه . إنتهى . والإخوة للأم فقط : بنو الأخياف ، بالخاء المعجمة ، أى : الأخلاط ، لأنهم من أخلاط الرجال ، وليسوا من رجل واحد .
فالنصف فرض خمسة :
فرض الزوج حيث لا فرع وارث للزوجة أي : إبن أو بنت منه أو من غيره ، أو إبن ابن ، أو بنت ابن لقوله تعالى : ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد [ النساء : 12] .
وفرض البنت لقوله تعالى : وإن كانت واحدةً فلها النصف [ النساء : 11] . قال في المغني : لا خلاف في هذا بين علماء المسلمين .
وفرض بنت الإبن وإن نزل أبوها بمحض الذكور .
مع عدم أولاد الصلب بالإجماع ، لأن ولد الإبن كولد الصلب ، الذكر كالذكر والأنثى كالأنثى ، لأن كل موضع سمى الله الولد دخل فيه ولد الإبن .
وفرض الأخت الشقيقة مع عدم الفرع الوارث
وفرض الأخت للأب مع عدم الأشقاء وعدم الفرع الوارث ، لقوله تعالى : إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك [ النساء : 176 ] وهذه الآية في ولد الأبوين ، أو الأب بإجماع أهل العلم . قاله في المغني . ويحل فرض النص للبنت ، وبنت الإبن والأخت إذا انفردن ولم يعصبن .
والربع فرض إثنين :
وفرض الزوج مع الفرع الوارث لقوله تعالى : فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن [ النساء : 12 ] .
وفرض الزوجة فأكثر مع عدمه أي : الفرع الوارث .
والثمن فرض واحد ، وهو : الزوجة فأكثر ، مع الفرع الوارث للزوج ذكراً أو أنثى منها ، أو من غيرها بالإجماع ، لقوله تعالى : ولهن الربع مما تركتم إن لًم يكن لًكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم [النساء : 12 ] .


فصل

والثلثان : فرض أربعة :
فرض البنتين فأكثر ، وبنتي الإبن فاكثر مع عدم البنات إذا لم يعصبن ، لقوله تعالى : فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك [ النساء : 11] و فوق في الآية صلة . كقوله تعالى : فاضربوا فوق الأعناق [ الأنفال : 12] وقد وردت هذه الآية على سبب خاص ، لحديث جابر قال : جاءت إمرأة سعد بن الربيع بابنتيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : هاتان إبنتا سعد ، قتل أبوهما معك ، يوم أحد شهيداً ، وإن عمهما اًخذ مالهما ، فلم يدع لهما شيئاً من ماله ، ولا ينكحان إلا بمال . فقال : يقضي الله في ذلك ، فنزلت آية المواريث ، فدعا النبي ، صلى الله عليه وسلم ، عمهما فقال : أعط ابنتي سعد الثلثين ، وأعط أمهما الثمن ، وما بقي فهو لك . رواه أبو داود ، وصححه الترمذي والحاكم . فدلت الآية على فرض ما زاد على البنتين ، ودلت السنة على فرض البنتين وهذا تفسير للآية ، وتبيين لمعناها . وقال تعالى في الأخوات : فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك والبنتان أولى . وبنات الإبن كبنات الصلب كما تقدم .
وفرض الأختين الشقيقتين فأكثر ، وفرض الأختين للأب فأكثر لقوله تعالى : فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك [ النساء : 176] قال في المغني : المراد بهذه الآية : ولد الأبوين ، أو ولد الأب بإجماع أهل العلم ، وقيس ما زاد على الأختين على ما زاد على البنتين .
والثلث : فرض اثنين :
فرض ولدي الأم فأكثر يستوي فيه ذكرهم وأنثاهم لقوله تعالى : وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث [ النساء : 12 ] وأجمعوا على أن المراد بالأخ والأخت هنا : ولد الأم . وقرأ ابن مسعود وسعد بن أبي وقاص وله أخ أو أخت [ النساء : 12 ] من أم والتشريك يقتضي المساواة .
وفرض الأم حيث لا فرع وارث للميت ولا جمع من الإخوة والأخوات
لقوله تعالى : فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس [ النساء : 11 ] . قال الزمخشري هنا لفظ الإخوة يتناول الأخوين ، لأن المقصود الجمعية المطلقة من غير كمية . إنتهى . وفي الكافي : وقسنا الأخوين على الإخوة ، لأن كل فرض تغير بعدد كان الإثنان فيه بمنزلة الجماعة ، كفرض البنات والأخوات . إنتهى . الأم ؟ فقال : لا أستطيع أن أرد شيئاً كان قبلي ، ومضى في البلدان ، وتوارث الناس به وهذا من عثمان يدل على إجتماع الناس على ذلك قبل مخالفة ابن عباس .
لكن لو كان هناك أب ، وأم ، وزوج ، أو زوجة كان للأم ثلث الباقي
بعد فرضهما . نص عليه ، لأن الفريضة جمعت الأبوين مع ذي فرض واحد فكان للأم ثلث الباقي ، كما لو كان معهما بنت ، وأبقى لفظ الثلث في الصورتين ، وإن كان في الحقيقة سدساً أو ربعاً تأدباً مع القرآن ، وتسميان بالغراوين لشهرتهما ، وبالعمريتين لقضاء عمر بذلك وتبعه عليه عثمان ، وزيد بن ثابت ، وابن مسعود ، وروي عن علي ، وهو قول جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة . وقال ابن عباس : لها الثلث كاملاً ، لظاهر الآية . والحجة معه لولا إنعقاد الإجماع من الصحابة على خلافه ، ولأنا لو أعطيناها الثلث كاملاً لزم إما تفضيل الأم على الأب في صورة الزوج ، وإما أنه لا يفضل عليها التفضيل المعهود في صورة الزوجة مع أن الأم والأب في درجة واحدة .
والسدس فرض سبعة :
1 -
فرض الأم مع الفرع الوارث : أو جمع الإخوة والأخوات لقوله تعالى : ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد إلى قوله فإن كان له إخوة فلأمه السدس [ النساء : 11] .
2-
فرض الجدة فأكثر إلى ثلاث إن تساوين مع عدم الأم
لحديث قبيصة بن ذؤيب قال جاءت الجدة إلى أبي بكر تطلب ميراثها ، فقال : ما لك في كتاب الله شئ ، وما أعلم لك في سنة رسول الله ، في ، شيئاً ، ولكن إرجعي حتى أسأل الناس . فقال المغيرة بن شعبة : حضرت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أعطاها السدس فقال : هل معك غيرك ؟ فشهد له محمد بن مسلمة ، فأمضاه لها أبوبكر . فلما كان عمر جاءت الجدة الأخرى ، فقال عمر : ما لك في كتاب الله شئ ، وما كان القضاء الذي قضي به إلا في غيرك ، وما أنا بزائد في الفرائض شيئاً ، ولكن هو ذاك السدس ، فإن إجتمعتما فهو لكما ، وأيكما خلت به فهو لها . صححه الترمذي . وعن عبادة بن الصامت : أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قضى للجدتين من الميراث بالسدس بينهما . رواه عبدالله ابن أحمد في زوائد المسند . ولايرث أكثر من ثلاث : أم الأم ، وأم الأب ، وأم الجد ، وما كان من أمهاتهن وإن علت درجتهن . روي عن علي ، وزيد بن ثابت ، وابن مسعود . وروى سعيد بإسناده عن إبراهيم النخعي أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ورث ثلاث جدات : إثنتين من قبل الأب ، وواحدة من قبل الأم وأخرجه أبو عبيد ، والدارقطني . وقال إبراهيم : كانوا يورثون من الجدات ثلاثاً . رواه سعيد . وأجمع أهل العلم على أن أم أبي الأم لا ترث ، وكذلك كل جدة أدلت بأب بين أمين ، لأنها تدلي بغير وارث . قاله في الكافي .
3 -
فرض ولد الأم الواحد ذكراً كان أو أنثى بالإجماع ، لقوله تعالى : وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس [ النساء : 12] . وفي قراءة عبدالله وسعد : وله أخ أو أخت من أم .
4 -
فرض بنت الابن فأكثر ، مع بنت الصلب إجماعاً ، لحديث ابن مسعود ، وقد سئل عن بنت ، وبنت إبن ، وأخت، فقال أقضي فيها بما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم : للإبنة النصف ، ولإبنة الإبن السدس تكملة الثلثين ، وما بقي فللأخت . رواه البخاري مختصراً . ولأن الله لم يفرض للبنات إلا الثلثين ، وهؤلاء بنات ، وقد سبقت بنت الصلب فأخذت النصف ، لأنها أعلى درجة منهن ، فكان الباقي لهن السدس ، فلهذا تسميه الفقهاء تكملة الثلثين ، وكذا بنت إبن إبن مع بنت إبن .
5-
فرض الأخت للأب مع الأخت الشقيقة تكملة الثلثين قياساً على بنت الإبن مع بنت الصلب ، لأنها في معناه .
6-
فرض الأب مع الفرع الوارث للآية السابقة .
7 -
فرض الجد كذلك أي : مع الفرع الوارث ، لأنه أب .
ولا ينزلان أي : الأب والجد .
عنه أي : عن السدس .
بحال للآية ، وقد يكون عائلاً .


فصل

في الجد مع الإخوة ذكوراً أو إناثاً لأبوين ، أو لأب والجد : أبو الأب ، لا يحجبه حرماناً غير الأب . حكاه ابن المنذر إجماعاً .
وقد كان السلف يتوقون الكلام فيه جداً ، فعن علي رضي الله عنه : من سره أن يقتحم جراثيم جهنم فليقض بين الجد والإخوة . وقال ابن مسعود : سلونا عن عضلكم واتركونا من الجد لا حياه الله ولا بياه . وروي عن عمر ، رضي الله عنه ، أنه لما طعن ، وحضرته الوفاة قال : إحفظوا عني ثلاثاً : لا أقول في الجد شيئاً ، ولا أقول في الكلالة شيئاً ، ولا أولي عليكم أحداً .
وذهب أبو بكر الصديق ، وابن عباس ، وابن الزبير : إلى أن الجد يسقط جميع الإخوة والأخوات من جميع الجهات كالأب . وروي عن عثمان ، وعائشة ، وأبي بن كعب ، وجابر بن عبدالله ، وأبي الطفيل ، وعبادة بن الصامت ، وهو مذهب أبي حنيفة .
وذهب علي بن أبي طالب ، وزيد بن ثابت ، وابن مسعود : إلى توريثهم معه ، ولا يحجبونهم به على إختلاف بينهم ، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل ، وأبي يوسف ومحمد ، لثبوت ميراثهم بالكتاب العزيز فلا يحجبون إلا بنص ، أو إجماع أو قياس ، ولم يوجد ذلك ، ولتساويهم في سبب الإستحقاق ، فإن الأخ والجد يدليان بالأب الجد أبوه ، والأخ إبنه ، وقرابة البنوة لا تنقص عن قرابة الأبوة ، بل ربما كانت أقوى فإن الإبن يسقط تعصيب الأب .
والجد مع الإخوة الأشقاء ، أو الأب ، ذكوراً كانوا أو إناثاً كأحدهم في مقاسمتهم المال ، أو ما أبقت الفروض ، لأنهم تساووا في الإدلاء بالأب فتساووا في الميراث .
فإن لم يكن هناك صاحب فرض فله معهم خير أمرين : إما المقاسمة إن كان الإخوة أقل من مثليه .
أو ثلث جميع المال إن كانوا أكثرمن مثليه . وإن كانوا مثليه استوى له الأمران . ولا ينقص الجد عن الثلث مع عدم ذي الفرض ، لأنه إذا كان مع الأم مثلي ما تأخذه ، لأنها لا تزاد على الثلث ، والإخوة لا ينقصون الأم عن السدس ، فوجب أن لا ينقصوا الجد عن ضعفه وهو : الثلث .
وإن كان هناك صاحب فرض فله أي : الجد .
أو ثلث الباقي بعد صاحب الفرض لأن له الثلث مع عدم الفروض ، فما أخذ من الفروض كأنه ذهب من المال ، فصار ثلث الباقي بمنزلة ثلث جميع المال .
أو سدس جميع المال لأنه لا ينقص عنه مع الولد ، فمع غيره أولى .
فإن لم يبق بعد صاحب الفرض إلا السدس أخذه الجد .
وسقط الإخوة مطلقاً لاستغراق الفروض التركة .
إلا الأخت الشقيقة أو لأب في المسألة المسماة بالأكدرية سميت بذلك لتكديرها أصول زيد حيث أعالها ، ولا عول في مسائل الجد والإخوة في غيرها ، وفرض للأخت مع الجد ، ولم يفرض لها معه إبتداء في غيرها ، وجمع سهامه وسهامها فقسمها بينهما ، ولا نظير لذلك ، أو لتكدير زيد على الأخت نصيبها بإعطائها النصف ، واسترجاعه بعضه . وقيل لأن عبدالملك بن مروان سأل عنها رجلاً إسمه أكدر .
وهي زوج ، وأم ، وجد ، وأخت لغير أم .
فللزوج : النصف ، وللأم : الثلث ، وللجد : السدس ، ويفرض للأخت : النصف ، فتعول لتسعة ولم يحجب الأم عن الثلث ، لأنه تعالى إنما حجبها عنه بالولد والإخوة ، وليس هنا ولد ولا إخوة .
ثم يقسم نصيب الجد والأخت بينهما أربعة على ثلاثة لأنها إنما تستحق معه بحكم المقاسمة ، وإنما أعيل لها لئلا تسقط ، وليس في الفريضة من يسقطها، ولم يعصبها الجد إبتداءً ، لأنه ليس بعصبة مع هؤلاء ، بل يفرض له . ولو كان مكانها أخ لسقط لأنه عصبة بنفسه ، والأربعة لا تنقسم على الثلاثة ، وتباينها . فاضرب الثلاثة في المسألة بعولها تسعة .
فتصح من سبعة وعشرين للزوح تسعة ، وللأم ستة ، وللأخت أربعة ، وللجد ثمانيه ، ويعايا بها ، فيقال : أربعةً ورثوا مال ميت ، أخذ أحدهم ثلثه ، والثاني ثلث الباقي ، والثالث ثلث باقي الباقي ، والرابع الباقي .
وإذا اجتمع مع الشقيق ولد الأب عده على الجد إن إحتاج لعده لأن الجد والد ، فإذا حجبه أخوان وارثان جاز أن يحجبه أخ وارث ، وأخ غير وارث كالأم ، ولأن ولد الأب يحجبونه نقصاناً إذا انفردوا فكذلك مع غيرهم كالأم ، بخلاف ولد الأم فإن الجد يحجبهم بلا خلاف ، فمن مات عن جد واًخ لأبوين وأخ لأب ، فللجد منه الثلث .
ثم يأخذ الشقيق ما حصل لولد الأب لأنه أقوى تعصيباً منه ، فلا يرث معه شيئاً ، كما لو إنفردا عن الجد ، فإن استغنى عن المعادة كجد وأخوين لأبوين وأخ فأكثر لأب ، فلا معادة لأنه لا فائدة فيها .
إلا أن يكون الشقيق أختاً واحدة فتأخذ تمام النصف لأنه لا يمكن أن تزاد عليه مع عصبة ، ويأخذ الجد الأحظ له على ما تقدم .
وما فضل فهو لولد الأب واحداً كان أو أكثر .
فمن صور ذلك الزيديات الأربع : المنسوبات إلى زيد بن ثابت ، رضي الله عنه .
1 -
العشرية ، وهي : جد ، وشقيقة ، وأخ لأب أصلها عدد رؤوسهم خمسة : للجد سهمان ، وللأخت النصف : سهمان ونصف ، والباقي للأخ . فتنكسر على النصف ، فاضرب مخرجه إثنين في خمسة ، فتصح من عشرة ، للجد أربعة ، وللشقيقة خمسة ، وللأخ للأب واحد .
2 -
العشرينية ، وهي : جد ، وشقيقة ، وأختان لأب كالتي قبلها ، إلا أنه يبقى للأختين للأب نصف ، لكل واحدة ربع ، فتضرب مخرجه أربعة في الخمسة = عشرين ، ومنها تصح للجد ثمانية ، وللشقيقة عشرة ، ولكل أخت لأب واحد .
3 -
مختصرة زيد ، وهي : أم ، وجد ، وشقيقة ، وأخ ، وأخت لأب
لأن زيداً صححها من مائة وثمانية ، وردها بالإختصار إلى أربعة وخمسين . أصلها ستة : للأم واحد ، يبقى خمسة ، للجد والإخوة على ستة تباينها ، فاضرب الستة في أصل المسألة تبلغ ستة وثلاثين : للأم سدسها ستة ، وللجد عشرة ، وللأخت الشقيقة ثمانية عشر يبقى سهمان : للأخ ، والأخت للأب على ثلاثة تباينهما ، فاضرب ثلاثة في ستة وثلاثين تبلغ مائة وثمانية ، للأم ثمانية عشر، وللجد ثلاثون ، وللشقيقة أربعة وخمسون ، وللأخ لأب أربعة ، ولأخته سهمان ، والأنصباء كلها متوافقة بالنصف ، فترد المسألة لنصفها ، ونصيب كل وارث لنصفه ، فترجع لأربعة وخمسين . ولو اعتبرت للجد فيها ثلث الباقي لصحت إبتداءً من أربعة وخمسين .
4 -
تسعينية زيد ، وهي : أم ، وجد ، وشقيقة ، وأخوان ، وأخت لأب للأم السدس ثلاثة من ثمانية عشر ، وللجد ثلث الباقي : خمسة ، وللشقيقة النصف : تسعة ، يبقى لأولاد الأب واحد على خمسة لا يصح ، فاضرب خمسة في ثمانية عشر تبلغ تسعين : للأم خمسة عشر ، وللجد خمسة وعشرون ، وللشقيقة خمسة وأربعون ، ولأولاد الأب خمسة ، لأنثاهم واحد ، ولكل ذكر إثنان .


باب الحجب

وهو باب عظيم . ويحرم على من لم يعرف الحجب أن يفتي في الفرائض . قاله في شرح الترتيب .
إعلم أن الحجب بالوصف كالقتل والرق وإختلاف الدين .
يتأتى دخوله على جميع الورثة لما تقدم .
والحجب بالشخص نقصاناً كذلك يتأتى دخوله على جميع الورثة ، كحجب الزوج من النصف إلى الربع ، والزوجة من الربع إلى الثمن ، ونحوه مما تقدم .
وحرماناً فلا يدخل على خمسة : الزوجين ، والأبوين ، والولد ذكراً كان أو أنثى إجماعاً ، لأنهم يدلون إلى الميت بغير واسطة ، فهم أقوى الورثة .
وان الجد يسقط بالأب حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه من الصحابة ومن بعدهم .
وكل جد أبعد بجد أقرب لإدلائه به ، ولقربه .
وإن الجدة مطلقاً من قبل الأم أو الأب .
تسقط بالأم لأن الجدات يرثن بالولادة ، فالأم أولى منهن بمباشرتها الولادة .
وكل جدة بعدى بجدة قربى لأن الجدات أمهات يرثن ميراثاً واحداً من جهة واحدة ، فإذا اجتمعن فالميراث لأقربهن ، كالآباء والأبناء والإخوة . ولا يحجب الأب أمه أو أم أبيه كالعم . روي عن عمر وابن مسعود وأبي موسى وعمران بن حصين وأبي الطفيل ، لحديث ابن مسعود : أول جدة أطعمها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، السدس أم أب مع إبنها وإبنها حي رواه الترمذي . ورواه سعيد بلفظ : أول جدة أطعمت السدس أم أب مع إبنها ولأن الجدات يرثن ميراث الأم لا ميراث الأب ، فلا يحجبن به ، كأمهات الأم . وكذا الجد لا يحجب أم نفسه .
وإن كل إبن أبعد يسقط بإبن أقرب ولو لم يدل به لقربه .
وتسقط الإخوه الأشقاء باثنين : بالإبن وإن نزل ، وبالأب الأقرب حكاه ابن المنذر إجماعاً ، لأن الله تعالى جعل إرثهم في الكلالة ، وهي : إسم لمن عدا الوالد والولد .
والإخوة للأب يسقطون بالإبن وابنه ، وبالأب .
وبالأخ الشقيق أيضاً لقوته بزيادة القرب ، لحديث علي : أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قضى بالدين قبل الوصية ، وأن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات ، يرث الرجل أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه . رواه أحمد والترمذي من رواية الحارث عن علي . ويسقط ولد الأب أيضاً بالأخت الشقيقة إذا صار عصبة مع البنت ، أو بنت الإبن ، لأنها تصير بمنزلة الأخ الشقيق .
وبنو الإخوة يسقطون حتى بالجد أبي الأب وإن علا بلا خلاف ، لأنه أقرب منهم .
الأعمام يسقطون حتى ببني الإخوة وإن نزلوا لأن جهتهم أقرب ، وهذا معنى قول الجعبرى :
فبالجهة التقديم ثم بقربه       وبعدهما التقديم بالقوة أجعلا
والأخ للأم يسقط باثنين : بفرع الميت مطلقاً ذكوراً كانوا أو إناثاً ، وإن نزلوا .
وبأصوله الذكور وإن علوا لأن الله تعالى شرط في إرث الإخوة لأم الكلالة ، وهي في قول الجمهور : من لم يخلف ولداً ، ولا والداً . والولد يشمل الذكر والأنثى ، وولد الإبن كذلك ، والوالد يشمل الأب والجد .
وتسقط بنات الإبن ببنتي الصلب فأكثر لاستكمال الثلثين ، لمفهوم حديث ابن مسعود السابق .
ما لم يكن معهن أي : بنات الإبن .
من يعصبهن من ولد الابن سواء كان بإزائهن أو أنزل منهن .
وتسقط الأخوات للأب بالأختين الشقيقتين فأكثر لاستكمال الثلثين .
ما لم يكن معهن أخوهن فيعصبهن في الباقي ، للذكر مثل حظ الأنثيين .
ومن لا يرث لمانع
لا يحجب أحداً نص عليه .
مطلقاً لا حرماناً ، ولا نقصاناً ، بل وجوده كعدمه ، روي عن عمر وعلي ، لأنه ليس بوارث كالأجنبي .
إلا الإخوة من حيث هم أشقاء أو لأب أو لأم .
فقد لا يرثون ويحجبون الأم نقصاناً من الثلث إلى السدس ، وإن كانوا محجوبين بالأب في أم وأب وإخوة .


باب العصبات

وهم : من يرث بغير تقدير .
إعلم أن النساء كلهن صاحبات فرض ، وليس فيهن عصبة بنفسه إلا المعتقة فإنها عصبة بنفسها .
وإن الرجال كلهم عصبات بأنفسهم ، إلا الزوج وولد الأم . وإن الأخوات مع البنات عصبات لا فرض لهن ، بل يرثن ما فضل عن الفروض ، لقوله تعالى : إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك [ النساء : 176 ] الآية فشرط في الفرض عدم الولد ، فمتى وجد الولد فلا فرض لهن ، إلا أن للأخوات قوة بولادة الأب لهن ، ولا مسقط لهن ، فكان أدنى حالاتهن مع البنات أو بنات الإبن التعصيب ، ولحديث ابن مسعود السابق وفيه وما بقي فللأخت رواه البخاري . قال ابن رجب في شرح الأربعين : وذهب جمهور العلماء إلى أن الأخت مع البنت عصبة لها ما فضل ، منهم : عمر وعلي وعائشة وزيد وابن مسعود ، ومعاذ بن جبل ، وتابعهم سائر العلماء .
إن البنات ، وبنات الإبن ، والأخوات الشقيقات ، والأخوات للأب ، كل واحدة منهن مع أخيها عصبة به له مثلا ما لها لقوله تعالى : يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين [ النساء : 11] وقوله تعالى : وإن كانوا إخوةً رجالاً ونساءً فللذكر مثل حظ الأنثيين [ النساء : 176] .
وإن حكم العاصب أن يأخذ ما أبقت الفروض لقوله تعالى : وورثه أبوًاه فلأمه الثلث [ النساء : 11] وحديث : ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما بقي فلأولى رجل ذكر وقوله صلى الله عليه وسلم ، لأخي سعد .. وما بقي فهو لك وتقدم .
وإن لم يبق شئ سقط لمفهوم الخبر ، ولأن حقه في الباقي ، ولا باقي .
وإذا انفرد أخذ جميع المال وهو يرثها إن لم يكن لها ولد [ النساء : 176] أضاف جميع الميراث إليه ، وقيس عليه باقي العصبات .
لكن للجد والأب ثلاث حالات :
1-
يرثان بالتعصيب فقط مع عدم الفرع الوارث لقوله تعالى : فإن لم يكن لًه ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث [النساء : 11] أضاف الميراث إليهما ، ثم خص الأم منه بالثلث دل على أن باقيه للأب .
2-
يرثان بالفرض فقط مع ذكوريته أي : مع الإبن أو إبنه ، لقوله تعالى : ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد [ النساء : 11] .
3-
بالفرض والتعصيب مع أنوثيته السدس بالفرض ، والباقي بالتعصيب ، لقوله صلى الله عليه وسلم ، : فما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر والأب أولى رجل ذكر بعد الإبن وابنه ، والجد مثل الأب في هذه الحالات الثلاث .
ولا تتمشى على قواعدنا المشركة وهي : زوج ، وأم ، وإخوة لأم ، وإخوة أشقاء للزوج : النصف = ثلاثة ، وللأم : السدس = واحد ، وللإخوة للأم : الثلث = إثنان ، وسقط الأشقاء ، لاستغراق الفروض التركة . وتسمى المشركة والحمارية لأنه يروى أن عمر أسقط ولد الأبوين ، فقال بعضهم ، أو بعض الصحابة : يا أمير المؤمنين ، هب أن أبانا كان حماراً ، أليست أمنا واحدة ؟ فشرك بينهم وهو قول عثمان ، وزيد بن ثابت ،، ومالك والشافعي . وأسقطهم الإمام أحمد ، وأبو حنيفة وأصحابه ، وروي عن علي ، وابن مسعود ، وأبي بن كعب ، وابن عباس ، وأبي موسى لقوله تعالى في الإخوة لأم : فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث [ النساء : 12] فإذا شرك معهم غيرهم لم يأخذوا الثلث ، ولحديث ألحقوا الفرائض بأهلها ومن شرك لم يلحق الفرائض بأهلها . قال العنبري : القياس ما قال علي ، والإستحسان ما قال عمر ، ولو كان مكانهم أخوات لأبوين ، أو لأب عالت إلى عشرة وتأتي .


فصل

وإذا اجتمع كل الرجال ورث منهم ثلاثة . الإبن ، والأب والزوج
فالمسألة من إثني عشر : للزوج الربع = ثلاثة ، وللأب السدس = إثنان ، وللإبن الباقي .
وإذا اجتمع كل النساء ورث منهن خمس : البنت ، وبنت الإبن ، الأم ، والزوجة ، والأخت الشقيقة أو لأب ، فالمسألة من أربعة وعشرين :
للزوجة : الثمن = ثلاثة ، وللأم : السدس = أربعة ، وللبنت : النصف = إثنا عشر ، ولبنت الإبن : السدس تكملة الثلثين = أربعة ، والباقي = واحد ، للأخت تعصيباً .
وإذا اجتمع ممكن الجمع من الصنفين ورث منهم خمسة : الأبوان ، والولدان ، وأحد الزوجين فإن كان الميت الزوج المسألة من أربعة وعشرين ، وتصح من إثنين وسبعين . وإن كان الميت الزوجة فالمسألة من إثني عشر ، وتصح من ستة وثلاثين .
ومتى كان العاصب عماً أو ابن عم أو ابن أخ إنفرد بالإرث دون أخواته
لأنهن من ذوي الأرحام ، والعصبة مقدم على ذي الرحم .
ومتى عدمت العصبات من النسب ورث المولى المعتق ولو أنثى
لحديث الولاء لمن أعتق متفق عليه . وحديث الولاء لحمة كلحمة النسب . وروى سعيد بسنده كان لبنت حمزة مولى أعتقته ، فمات وترك إبنته ومولاته ، فأعطى النبي ، صلى الله عليه وسلم إبنته النصف ، وأعطى مولاته بنت حمزة النصف ورواه النسائي وابن ماجه عن عبدالله بن شداد بنحوه .
ثم عصبته أي : عصبة المعتق .
الذكور الأقرب فالأقرب ، كالنسب لحديث زياد بن أبي مريم أن إمرأة أعتقت عبداً لها ، ثم توفيت وتركت إبناً لها وأخاها ، ثم توفي مولاها من بعدها ، فأتى أخو المرأة وابنها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في ميراثه ، فقال ، صلي الله عليه وسلم : ميراثه لإبن المرأة ، فقال أخوها : يا رسول الله ، لو جر جريرةً كانت علي ، ويكون ميراثه لهذا ؟! قال : نعم رواه أحمد . ولأنهم يدلون بالمعتق ، وبالولاء مشبه بالنسب ، فأعطي حكمه .
فإن لم يكن للميت عصبة ولا ولاء
عملنا بالرد على ذوى الفروض ، فيقدم على ذوى الأرحام
فإن لم يكن ذو فرض يرد عليه
ورثنا ذوي الأرحام لقوله تعالى : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض [ الأحزاب : 6] .
باب الرد وذوي الأرحام
حيث لا تستغرق الفروض التركة ولا عاصب رد الفاضل على كل ذي فرض بقدره كالغرماء يقتسمون مال المفلس بقدر ديونهم ، لقوله تعالى : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض [ الأحزاب : 6] وقوله ، صلى الله عليه وسلم : من ترك مالاً فللوارث متفق عليه .
ما عدا الزوجين ، فلا يرد عليهما من حيث الزوجية نص عليه ، لأنهما لا رحم لهما ، فلم يدخلا في الآية . وهذا يروى عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس ، رضي الله عنهم . قاله في الكافي . وما روي عن عثمان أنه رد على زوج فلعله كان عصبة ، أو ذا رحم ، أو أعطاه من بيت المال لا على سبيل الميراث .
فإن لم يكن إلا صاحب فرض أخذ الكل فرضاً ورداً لأن تقدير الفروض شرع لمكان المزاحمة ، وقد زال .
وإن كان جماعة من جنس كالبنات فأعطهم بالسوية كالعصبة من البنين ونحوهم .
وإن اختلف جنسهم فخذ عدد سهامهم من أصل ستة دائماً لأن الفروض كلها توجد في الستة ، إلا الربع والثمن ، وهما للزوجين ، ولا يرد عليهما ، فتجعل عدد سهامهم أصل مسألتهم ، وينحصر ذلك في أربعة أصول .
فجدة وأخ لأم ، تصح من إثنين لأن لكل منهما : السدس = واحد من الستة ، والسدسان = إثنان منها ، فيقسم المال بينهما نصفين فرضاً ورداً .
وأم وأخ لأم من ثلثة فيقسم المال بينهما أثلاثاً ، وكذا أم وولداها .
وأم وبنت أو بنت أو بنت إبن
من أربعة للأم السدس = واحد ، وللبنت أو بنت الإبن : النصف = ثلاثة . فيقسم المال بينهما أرباعاً . للأم : ربعه ، وللبنت ، أو بنت الإبن : ثلاثة أرباعه .
وأم وبنتان أو بنتا إبن ، أو أختان لغير أم
من خمسة للأم : السدس ، وللأخريين : الثلثان = أربعة . فالمال بينهن على خمسة . للأم خمسه ، وللأخريين : أربعة أخماسه .
ولا تزيد مسائل الرد .
عليها أي : الخمسة .
لأنها لو زادت سدساً آخر لاستغرقت الفروض إذاً فلا رد .
وإن كان هناك أحد الزوجين فاعمل مسألة الرد ، ثم مسألة الزوجية ، ثم يقسم ما فضل عن فرض الزوجية على مسألة الرد فيبدأ بإعطاء أحد الزوجين فرضه ، والباقي لمن يرد عليه .
فإن انقسم صحت مسألة الرد من مسألة الزوجية ولم يحتج لضرب كزوجة وأم وأخوين لأم ، فللزوجة : الربع = واحد من أربعة ، والباقي ثلاثة بين الأم وولديها أثلاثاً .
وإلا ينقسم الباقي بعد فرض الزوجية على مسألة الرد .
فاضرب مسألة الرد في مسألة الزوجية لعدم الموافقة .
ثم من له شئ في مسألة الزوجية أخذه مضروباً في مسألة الرد ، ومن له شئ في مسألة الرد أخذه مضروباً في الفاضل عن مسألة الزوجية . فزوج ، وجدة ، وأخ لأم مثلاً : فاضرب مسألة الرد - وهي : إثنان - في مسألة الزوجية - وهي : إثنان - فتصح من أربعة مسطح الإثنين في الإثنين ، فللزوج : إثنان ، وللجدة : سهم ، وللأخ لأم : سهم .
وهكذا لو كان مكان الزوج زوجة ، فالمسألة : الزوجة من أربعة ، والباقي منها بعد فرض الزوجة : ثلاثة على مسألة الرد . إثنين تباينها ، فاضرب مسألة الرد في مسألتها - وهي : أربعة - تلبغ ثمانية ، للزوجة : ربع = إثنان وللجدة : ثلاثة ، وللأخ لأم ثلاثة .


فصل في ذوي الأرحام

وهم : كل قرابة ليس بذي فرض ولا عصبة كالخال ، والجد لأم ، والعمة . وبتوريثهم قال عمر ، وعلي ، وعبدالله وأبوعبيدة بن الجراح ، ومعاذ بن جيل ، وأبو الدرداء ، لقوله تعالى : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله [الأحزاب : 6 ] وعن عمر مرفوعاً : الخال وارث من لا وارث له رواه أحمد والترمذي وحسنه . ولأبي داود عن المقداد مرفوعاً : الخال وارث من لا وارث له ، يعقل عنه ويرثه وروى أبوعبيد بإسناده أن ثابت بن الدحداح مات ، ولم يخلف إلا إبنة أخ له ، فقضى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، بميراثه لإبنة أخيه قال في الكافي : وقسنا سائرهم على هذين .
وأصنافهم أحد عشر :
ولد البنات لصلب أو لإبن ، وولد الأخوات ، وبنات الإخوة ، وبنات الأعمام ، وولد ولد الأم ، والعم لأم ، والعمات ، والأخوال ، والخالات ، وأبو الأم ، وكل جدة أدلت بأب بين أمين كأم أبي الأم .
ومن أدلى بصنف من هؤلاء كعمة العمة ، وخالة الخالة ونحوهما
ويرثون بتنزيلهم منزلة من أدلوا به فينزل كل منهم منزلة من أدلى به من الورثة بدرجة ، أو درجات حتى يصل إلى من يرث ، فيأخذ ميراثه . لما روي عن علي وعبدالله : أنهما نزلا بنت البنت بمنزلة البنت ، وبنت الأخ بمنزلة الأخ ، وبنت الأخت منزلة الأخت ، والعمة منزلة الأب ، والخالة منزلة الأم . وروي ذلك عن عمر في العمة والخالة . وعن علي أيضاً : أنه نزل العمة بمنزلة العم . وعن الزهري أنه ، صلى الله عليه وسلم ، قال : العمة بمنزلة الأب إذا لم يكن بينهما أب ، والخالة بمنزلة الأم ، إذا لم يكن بينهما أم . رواه أحمد .
وإن أدلى جماعة منهم بوارث واستوت منزلتهم منه بلا سبق كأولاده ، وكإخوته المتفرقين الذين لا واسطة بينه وبينهم
فنصيبه لهم كإرثهم منه . لكن هنا
بالسوية : الذكر كالأنثى لأنهم يرثون بالرحم المجردة ، فاستوى ذكرهم وأنثاهم ، كولد الأم . إختاره الأكثر ، ونقله الأثرم ، وحنبل ، وإبراهيم بن الحارث .
ومن لا وارث له معلوم
فماله لبيت المال يحفظه كالمال الضائع . قال في القواعد : مع أنه لا يخلو من بني عم أعلى ، إذ الناس كلهم بنو آدم ، فمن كان أسبق إلى الإجتماع مع الميت في أب من آبائه فهو عصبته ، ولكنه مجهول ، فلم يثبت له حكم ، وجاز صرف ماله في المصالح ، ولذلك لو كان له مولى معتق لورثه في هذه الحال ، ولم يلتفت إلى هذا المجهول . إنتهى .
وليس بيت المال
وارثاً وإنما يحفظ المال الضائع وغيره كأموال الفيء .
فهو جهة ومصلحة لأن إشتباه الوارث بغيره لا يوجب الحكم بالإرث للكل ، فيصرف في المصالح ، للجهل بمستحقه عيناً .


باب أصول المسائل

أي : المخارج التي تخرج منها فروضها .
وهي سبعة :
1 -
إثنان وثلاثة ، وأربعة ، وستة ، وثمانية ، وإثنا عشر ، وأربعة وعشرون فنصفان كزوج وأخت لأبوين ، أو لأب من إثنين مخرج النصف ، وتسميان اليتيمتين تشبيها بالدرة اليتيمة ، لأنهما فرضان متساويان ورث بهما المال كله ، ولا ثالث لهما ، ويسميان أيضاً النصفيتين ونصف ، والبقية كزوج وأب ، أو أخ لغير أم ، أو عم أو إبنه كذلك من إثنين مخرج النصف .
وثلث ، والبقية من ثلاثة كأبوين . وثلثان ، والبقية من ثلاثة كبنتين وأخ لغير أم . وثلثان وثلث من ثلاثة لاتحاد المخرجين، كأختين لأم وأختين لغيرها .
وربع والبقية من أربعة كزوج وإبن ، وربع مع نصف ، والبقية من أربعة ، لدخول مخرج النصف في مخرج الربع كزوج وبنت عم .
وثمن ، والبقية كزوجة وإبن . وثمن مع نصف والبقية كزوجة وبنت عم من ثمانية . ولا يكون كل من أصلي الأربعة والثمانية إلا ناقصاً أي : فيها عاصب ، والإثنان والثلاثة تارةً كذلك ، وتارةً تكونان عادلتين . فهذه الأصول الأربعة لا تعول ، لأنها لا تزحم فيها الفروض .
وسدس ، والبقية كأم وإبن من ستة . وسدس ونصف والبقية كبنت وأم وعم من ستة ، لدخول مخرج النصف في السدس . ونصف وثلث ، والبقية كزوج وأم وعم من ستة لتباين المخرجين ، ونصف ، وثلث ، وسدس من ستة : كزوج ، وأم ، وأخوين لأم وتسمى مسألة الإلزام ، ومسألة المناقضة لأن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، لا يحجب الأم عن الثلث إلى السدس إلا بثلاثة من الإخوة ، أو الأخوات ، ولا يرى العول ، ويرد النقص مع إزدحام الفروض على من يصير عصبة في بعض الأحوال بتعصيب ذكر لهن . وهن البنات والأخوات لغير أم ، فألزم بهذه المسألة . فإن أعطى الأم الثلث لكون الإخوة أقل من ثلاثة ، وأعطى ولديها الثلث ، عالت المسألة ، وهو لا يراه . وإن أعطاها سدساً فقد ناقض مذهبه في حجبها بأقل من ثلاثة إخوة ، وإن أعطاها ثلثاً وأدخل النقص على ولديها فقد ناقض مذهبه في إدخاله النقص على من لا يصير عصبة بحال .
وربع مع ثلثين : كزوج ، وبنتين ، وعم . وكزوجة ، وشقيقتين ، وعم من إثني عشر . وربع مع ثلث ، كزوجة ، وأم ، وأخ لغيرها . وكزوجة ، وإخوة ، لأم وعم من إثني عشر لتباين المخرجين . أو ربع مع سدس : كزوج ، وأم ، وإبن ، أو زوجة ، وجدة ، وعم من إثني عشر، لتوافق المخرجين . ولا يكون في الإثني عشر والأربعة والعشرين صورة عادلة أصلاً ، بل إما ناقصة وإما عائلة .
وثمن مع سدس : كزوجة ، وأم ، وإبن من أربعة وعشرين ، لتوافق المخرجين بالنصف ، وحاصل ضرب أحدهما في نصف الآخر : أربعة وعشرون . أو ثمن مع ثلثين : كزوجة ، وبنتين ، وعم ، أو معهما سدس : كزوجة ، وبنتين ، وأم ، وعم ، من أربعة وعشرين ، للتوافق بين مخرج السدس والثمن ، مع دخول مخرج الثلثين في مخرج السدس . ولا يجتمع الثمن مع الثلث ، لأن الثمن لا يكون إلا لزوجة مع فرع وارث ، ولا يكون الثلث في مسألة فيها فرع وارث .
ولا يعول منها أي : هذه الأصول .
إلا الستة وضعفها أي : الإثنا عشر .
وضعف ضعفها أي : الأربعة والعشرون ، فتعول إذا تزاحمت فيها الفروض بالإجماع ، قبل إظهار ابن عباس الخلاف في ذلك .
فالستة تعول متوالية إلى عشرة شفعاً ووتراً .
فتعول إلى سبعة : كزوج ، وأخت لغير أم ، وجدة أو ولد أم ، للزوج : النصف = ثلاثة وللأخت لغير أم : النصف = ثلاثة ، وللجدة ، وولد الأم : السدس ، وكذا زوج وأختان لأبوين ، أو لأب ونحوها .
وإلى ثمانية كزوج ، وأم ، وأخت ، وأخت لغير أم للزوج : النصف = ثلاثة ، وللأم : الثلث = إثنان ، وللأخت : النصف = ثلاثة .
وتسمى المباهلة لأنها أول مسألة عائلة حدثت في زمن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، فجمع الصحابة للمشورة فيها ، فقال العباس : أرى أن يقسم المال بينهم على قدر سهامهم فأخذ به عمر ، وأتبعه الناس على ذلك ، حتى خالفهم ابن عباس ، فقال : من شاء باهلته ، إن المسائل لا تعول ، إن الذي أحصى رمل عالج عدداً أعدل من أن يجعل في مال نصفاً ونصفاً ، وثلثاً هذان نصفان ذهبا بالمال ، فأين موضع الثلث ؟ وقال : وأيم الله ، لو قدموا من قدم الله ، وأخروا من أخر الله ، ما عالت فريضة أبداً . فقال له زفر بن أوس البصري : فمن ذا الذي قدمه الله ؟ ومن ذا الذي أخره الله ؟ فقال : الذي أهبطه من فرض إلى فرض ، فذلك الذي قدمه الله ، والذي أهبطه من فرض إلى ما بقي ، فذلك الذي أخره الله . فقال له زفر : فمن أول من أعال الفرائض ؟ قال : عمر بن الخطاب ، فقلت : ألا أشرت عليه ؟ فقال : هبته وكان أمرأً مهيباً رواه الزهري عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبه عنه . فقال له عطاء بن أبي رباح : إن هذا لا يغني عني ولا عنك شيئاً ، لو مت أو مت لقسم ميراثنا على ما عليه الناس اليوم . قال : فإن شاؤوا : تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم [ آل عمران : 61 ] الآية قال في المغني : قوله أهبط من فرض إلى فرض ، يريد : أن الزوجين والأم لكل واحد منهم فرض ، ثم يحجب إلى فرض آخر لا ينقص منه . وأما من أهبط من فرض إلى ما بقي ، يريد : البنات والأخوات ، فإنهن يفرض لهن ، فإذا كان معهن إخوتهن ورثوا بالتعصيب ، فكان لهم ما بقي قل أو كثر . إنتهى . فكان ابن عباس ، رضي الله عنهما ، لا يرى العول ، ويدخل النقص على من يصير عصبة بحال . وخالفه الجمهور ، وألزم بمسألة الإلزام كما تقدم . قال في المغني ولا نعلم اليوم قائلاً بمذهب ابن عباس ، ولا نعلم خلافاً بين فقهاء العصر في القول بالعول بحمد الله ومنه . إنتهى .
وإلى تسعة : كزوج ، وولدي أم ، وأختين لغيرها للزوج : النصف = ثلاثة ، ولولدي الأم : الثلث = إثنان ، وللأختين: الثلثان = أربعة .
وتسمى الغراء لأنها حدثت بعد المباهلة ، واشتهر بها العول .
والمروانية لحدوثها زمن مروان . وكذا زوج ، وأم ، وثلاث أخوات مفترقات .
وإلى عشرة : كزوج ، وأم ، وأختين لأم ، وأختين لغيرها للزوج : النصف = ثلاثة ، وللأم : السدس = واحد ، وللأختين لأم : الثلث = إثنان ، وللأختين لغيرها : الثلثان = أربعة .
وتسمى أم الفروخ لكثرة عولها ، شبهوا أصلها بالأم ، وعولها بفروخها . وليس في الفرائض ما يعول بثلثيه سواها وشبهها . وتسمى الشريحية أيضاً ، لحدوثها زمن القاضي شريح . روي : أن رجلاً أتاه ، وهو قاض بالبصرة ، فسأله عنها ، فأعطاه ثلاثة أعشار المال ، فكان إذا لقي الفقيه يقول : ما يصيب الزوج من زوجته ؟ فيقول : النصف مع عدم الولد ، والربع معه . فيقول : والله ما أعطاني شريح نصفاً ولا ثلثاً . فكان شريح إذا لقيه يقول: إذا رأيتني ذكرت بي حكماً جائراً ، وإذا رأيتك ذكرت بك رجلاً فاجراً ، بين لي فجورك أنك تكتم القضية ، وتشيع الفاحشة . وفي رواية : أنك تذيع الشكوى ، وتكتم الفتوى .
والإثنا عشر تعول أفراداً أي : على توالي الأفراد .
فتعول إلى ثلاثة عشر : كزوج ، وبنتين ، وأم للزوج : الربع = ثلاثة ، وللبنتين : الثلثان = ثمانية ، وللأم : السدس = إثنان .
وإلى خمسة عشر : كزوج ، وبنتين ، وأبوين كالتي قبلها . ويزاد للأب : السدس = إثنان .
وإلى سبعة عشر : كثلاث زوجات ، وجدتين ، وأربع أخوات لأم ، وثمان أخوات لغيرها للزوجات : الربع = ثلاثة : لكل واحدة واحد . وللجدتين : السدس = إثنان : لكل واحدة واحد . وللأخوات للأم : الثلث = أربعة : لكل واحدة واحد . وللأخوات لغيرها : الثلثان = ثمانية : لكل واحدة واحد .
وتسمى أم الأرامل وأم الفروج بالجيم ، لأنوثة الجميع . ولو كانت التركة فيها سبعة عشر ديناراً ، حصل لكل واحدة منهن دينار . وتسمى السبعة عشرية ، والدينارية الصغرى .
والأربعة والعشرون تعول مرة واحدة إلى سبعة وعشرين : كزوجة ، وبنتين ، وأبوين للزوجة : الثمن = ثلاثة ، وللبنتين : الثلثان = ستة عشر ، ولكن من الأبوين : السدس = أربعة .
وتسمى المنبرية لأن علياً ، رضي الله عنه ، سئل عنها وهو على المنبر يخطب ، ويروى أن صدر خطبته كان : الحمد لله الذي يحكم بالحق قطعاً ، ويجزي كل نفس بما تسعى ، وإليه المآب والرجعى . فسئل فقال : صار ثمنها تسعاً ... ومضى في خطبته أي : قد كان للمرأة قبل العول ثمن ، فصار بالعول تسعاً . وهو : ثلاثة من سبعة وعشرين .
و تسمى أيضاً
البخيلة لقلة عولها لأنها لم تعل إلا مرة واحدة .


باب ميراث الحمل

من مات عن حمل يرثه وعن ورثة غيره ، ورضوا بوقف الأمر على وضعه فهو أولى : خروجاً من الخلاف ، ولتكون القسمة مرة واحدة . وإلا ،
فطلب بقية ورثته قسم التركة قسمت ، ووقف له الأكثر من إرث ذكرين أو أنثيين لأن وضعهما كثير معتاد ، فلا يجوز قسم نصيبهما كالواحد ، وما زاد عليهما نادر ، فلا يوقف له شئ .
ودفع لمن لا يحجبه الحمل إرثه كاملاً ، ولمن يحجبه حجب نقصان أقل ميراثه كالزوجة والأم ، فيعطيان الثمن ، والسدس .
ولا يدفع لمن سقطه الحمل
شئ لاحتمال أن يحجبه .
فإذا ولد أخذ نصيبه ، ورد ما بقي لمستحقه فإن أعوز شئ رجع على من هو في يده .
ولا يرث إلا إن استهل صارخاً نص عليه ، لحديث أبي هريرة مرفوعاً : إذا استهل المولود صارخاً ورث . رواه أحمد وأبو داود . والإستهلال : رفع الصوت . فصارخاً : حال مؤكدة .
أو عطس ، أو تنفس ، أو وجد منه ما يدل على الحياة : كالحركة الطويلة ونحوها كسعال وارتضاع ، لدلالة هذه الأشياء على الحياة المستقرة ، فيثبت له حكم الحي ، كالمستهل .
ولو ظهر بعضه فاستهل ، ثم انفصل ميتاً لم يرث لأنه لم يثبت له أحكام الدنيا وهو حي .


باب ميراث المفقود

وهو : من إنقطع خبره لغيبة ظاهرها السلامة : كالأسر ، والخروج للتجارة ، والسياحة ، وطلب العلم ، إنتظر تتمة تسعين سنة منذ ولد في أشهر الروايتين ، لأن الغالب أنه لا يعيش أكثر من هذا ، وعنه : ينتظر به حتى يتيقن موته ، أو يمضي عليه مدة لا يعيش في مثلها ، وذلك مردود إلى إجتهاد الحاكم . وهو قول : الشافعي ، ومحمد بن الحسن ، وهو المشهور عن مالك ، وأبي حنيفة ، وأبي يوسف ، لأن الأصل حياته .
فإن فقد إبن تسعين إجتهد الحاكم في تقدير مدة إنتظاره .
وإن كان ظاهرها الهلاك : كمن فقد من بين أهله ، أو في مهلكه كدرب الحجاز ، أو فقد بين الصفين أي : صف المسلمين ، وصف المشركين .
حال الحرب ، أو غرقت سفينة ، ونجا قوم وغرق آخرون ، إنتظر تتمة أربع سنين منذ فقد ، ثم يقسم ماله في الحالتين لأنها أكثر مدة الحمل ، ولأنها مدة يتكرر فيها تردد المسافرين والتجار . فانقطاع خبره عن أهله إلى هذه الغاية يغلب ظن الهلاك ، وتعتد زوجته عدة الوفاة ، وتحل للأزواج بعد ذلك . نص عليه ، لاتفاق الصحابة على ذلك . قال أحمد : من ترك هذا القول أي شئ يقول ؟ هو عن خمسة من الصحابة . وقال : يروى عن عمر من ثمانية أوجه ، قيل : زعموا أن عمر رجع ، قال : هؤلاء الكذابون ،
قيل : فيروى من وجه ضعيف أن عمر قال بخلافه ، قال : لا إلا أن يكون إنسان يكذب . ولا تفتقر إمرأة المفقود إلى حكم حاكم بضرب المدة وعدة الوفاة ، لأن الظاهر موته ، أشبه ما لو قامت به بينة . ولا يفتقر أيضاً إلى طلاق ولي زوجها بعد عدة الوفاة لتعتد بعد ذلك بثلاثة قروء ، لأنه لا ولاية لوليه في طلاق إمرأته . وما روي عن عمر- أنه أمر ولي المفقود أن يطلقها - قد خالفه قول ابن عباس ، وابن عمر . وقال عبيد بن عمير : فقد رجل في عهد عمر ، فجاءت إمرأته إلى عمر فذكرت ذلك له ، فقال : إنطلقي فتربصي أربع سنين ، ففعلت ، ثم أتته ، فقال : إنطلقي فاعتدي أربعة أشهر وعشراً ، ففعلت ، ثم أتته فقال : أين ولي هذا الرجل ؟ فجاء وليه ، فقال : طلقها ، ففعل ، فقال عمر: إنطلقي فتزوجي من شئت ، فتزوجت ، ثم جاء زوجها الأول ، فقال له عمر: أين كنت ؟ فقال : إستهوتني الشياطين ، فوالله ما أدري في أي أرض ، كنت عند قوم يستعبدونني حتى غزاهم قوم مسلمون ، فكنت فيمن غنموه ، فقالوا لي : أنت رجل من الإنس ، وهؤلاء الجن ، فما لك وما لهم ؟ فأخبرتهم خبري ، فقالوا : بأية أرض الله تحب أن تصبح ؟ فقلت : بالمدينة : هي أرضي ، فأصبحت وأنا أنظر إلى الحرة - وزاد البيهقي ، قال : - فأما الليل فلا يحدثوني ، وأما النهار فإعصار ريح أتبعها إلى آخره .
فخيره عمر : إن شاء إمرأته ، وإن شاء الصداق ، فاختار الصداق رواه الأثرم والجوزجاني ، وقضى بذلك عثمان وعلي وابن الزبير ، وهو قول ابن عباس ، وهذه قضايا إنتشرت ، ولم تنكر فكانت إجماعاً . قاله في الكافي . وإذا ثبت ذلك في النكاح مع الإحتياط للأبضاع ففي المال أولى . قال الإمام أحمد : إذا أمرت زوجته أن تتزوج قسمت ماله .
فإن قدم بعد القسم أخذ ما وجده بعينه لتبين عدم إنتقال ملكه عنه .
ورجع بالباقي أي : ببدله على من أخذه ، لتعذر رده بعينه .
فإن مات مورث هذا المفقود في زمن إنتظاره أي : في المدة التي قلنا : ينتظر به فيها .
أخذ كل وارث غير المفقود
اليقين أي : ما لا يمكن أن ينقص عنه مع حياة المفقود أو موته .
ووقف له الباقي حتى يتبين أمره ، أو تنقضي مدة الإنتظار ، فإن قدم المفقود أخذه ، وإلا فحكمه كبقية ماله .
ومن أشكل نسبه ورجي إنكشافه
فكالمفقود في أنه إذا مات أحد الواطئين لأمه وقف له منه نصيبه على تقدير إلحاقه به ، فإن لم يرج إنكشافه : بأن لم ينحصر الواطئون لأمه ، أو عرض على القافة فأشكل عليهم ونحوه ، لم يوقف له شئ .


باب ميراث الخنثى

نقل ابن حزم الإجماع على توريثه .
وهو : من له شكل الذكر ، وفرج المرأة ويعتبر أمره في توريثه
ببوله فإن بال من حيث يبول الرجل فهو ذكر ، وإن بال من حيث تبول المرأة فله حكم المرأة ، لأن الله تعالى أجرى العادة بذلك ، فإن بال منهما
فبسبقه من أحدهما لما روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن مولود له قبل وذكر ، من أين يورث ؟ قال : من حيث يبول وروي أنه صلى الله عليه وسلم ، أتي بخنثى من الأنصار فقال : ورثوه من أول ما يبول منه . وقال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الخنثى يورث من حيث يبول . ولأن خروج البول أعم العلامات ، لوجوده من الصغير والكبير ، وسائرالعلامات إنما توجد بعد الكبر .
فإن خرج منهما معاً إعتبر أكثرهما لأن الأكثر أقوى في الدلالة . قال في المغني : قال أحمد - في رواية إسحاق بن إبراهيم :- يرث من المكان الذي يبول منه أكثر .
فإن إستويا فمشكل ، فإن رجي كشفه بعد كبره أي : بلوغه
أعطي ومن معه اليقين من التركة وهو : ما يرثونه بكل تقدير
ووقف الباقي حتى يبلغ
لتظهر ذكورته بنبات لحيته ، أو إنماء من ذكره زاد في المغنى وكونه مني رجل .
أو أنوثته بحيض ، أو تفلك ثدي أي : إستدارته ، أو سقوطه - أي : الثدي - نص عليهما .
أو إمناء من فرج فإن مات الخنثى قبل البلوغ
أو بلغ بلا أمارة أي : علامة على ذكورته أو أنوثته
وإختلف إرثه ، أخذ نصف ميراث ذكر ، ونصف ميراث أنثى ففي إبن ، وبنت ، وولد خنثى ، للذكر : أربعة أسهم ، وللخنثى : ثلاثة ، وللبنت : سهمان . وقال أصحابنا تعمل المسألة على أنه ذكر ، ثم على أنه أنثى ، ثم تضرب إحداهما في الأخرى إن تباينتا ، أو وفق إحداهما في الأخرى إن توافقتا ، وتجتزئ بإحداهما إن تماثلتا ، أو بأكثرهما إن تناسبتا ، ثم تضرب الجامعة في إثنين : عدد حالي الخنثى . ففي هذه المسألة : مسألة الذكورية : من خمسة ، والأنوثية : من أربعة ، إضرب إحداهما في الأخرى للتباين تكن عشرين ، ثم في إثنين تبلغ أربعين : للبنت : سهم في خمسة ، وسهم في أربعة ، يحصل لها تسعة ، وللذكر : سهمان في خمسة ، وسهمان في أربعة يجتمع له ثمانية عشر ، وللخنثى : سهمان في أربعة ، وسهم في خمسة ، تكن ثلاثة عشر . فإن لم يختلف إرث الخنثى بالذكورة والأنوثة ، كولد الأم والمعتق أخذ إرثه مطلقاً ، وإن ورث بكونه ذكراً فقط ، كولد أخ أو عم خنثى ، أو بكونه أنثى فقط ، كولد أب خنثى مع زوج ، وأخت لأبوين أعطي نصف ميراثه .
باب ميراث الغرقى ونحوهم كالهدمى ومن وقع بهم طاعون أو قتل وأشكل أمرهم .
إذا علم موت المتوارثين معاً فلا إرث لأحدهما من الآخر ، لأنه لم يكن حياً حين موت الآخر ، وشرط الإرث حياة الوارث بعد موت المورث .
وكذا إن جهل الأسبق ، أو علم ثم نسي أو علم وجهلوا عينه .
وإدعى ورثة كل منهما
سبق الآخر ولا بينة ، أو تعارضتا ، وتحالفا أي : حلف كل منهما على إبطال دعوى صاحبه ، ولم يتوارثا . نص عليه ، وهو قول : أبي بكر الصديق ، وزيد ، ومعاذ ، وابن عباس ، والحسن بن علي ، رضي الله عنهم ، لعدم وجود شرطه ، وسقوط الدعويين فلم يثبت السبق لواحد منهما معلوماً ، ولا مجهولاً . وقال مالك في الموطأ : لا ينبغي أن يرث أحد أحداً بالشك . وروى في الموطأ أيضاً : أنه لم يتوارث من قتل يوم الجمل ، ويوم صفين ، ويوم الحرة ، ثم يوم قديد ، فلم يورث أحد منهم من صاحبه شيئاً إلا من علم أنه قتل قبل صاحبه . إنتهى . واحتج في المغني : بأن قتلى اليمامة ، وصفين ، والحرة لم يورث بعضهم من بعض ، وبما روى جعفر بن محمد عن أبيه أن أم كلثوم بنت علي توفيت هي وابنها ، فالتقت الصيحتان في الطريق ، فلم يدر أيهما مات قبل صاحبه ، فلم ترثه ولم يرثها .
وإن لم يدع ورثة كل منهما
سبق الآخر ورث كل ميت صاحبه من تلاد ماله دون ما ورثه من الآخر ، لئلا يدخله الدور ، لأن ذلك يروى عن عمر وعلي ، وإياس المزني ، وشريح ، وإبراهيم . قال الشعبي : وقع الطاعون بالشام عام عمواس فجعل أهل البيت يموتون عن آخرهم ، فكتب في ذلك إلى عمر ، فكتب عمر أن : ورثوا بعضهم من بعض قال الإمام أحمد : أذهب إلى قول عمر . قال في الإنصاف : وهو من المفردات . وروي عن إياس المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوم وقع عليهم بيت فقال : يرث بعضهم بعضاً . ورواه سعيد في سننه عن إياس موقوفاً . فيقدر أحدهما مات أولاً ويورث الآخر منه .
ثم يقسم ما ورثه على الأحياء من ورثته ثم يصنع بالثاني كذلك .


باب ميراث أهل الملل

لا توارث بين مختلفين في الدين لحديث أسامة بن زيد مرفوعاً : لا يرث الكافر المسلم ، ولا المسلم الكافر . متفق عليه . وذكره الموفق إجماعاً قال الإمام أحمد : ليس بين الناس فيه خلاف .
إلا بالولاء فيرث به المسلم الكافر ، والكافر المسلم لحديث جابر مرفوعاً : لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته . رواه الدارقطني . ولأن ولاءه له ، وهو شعبة من الرق ، وإختلاف الدين لا يمنع الرجل أخذ مال رقيقه إذا مات . وعنه : لا يرثه مع إختلاف الدين ، لعموم الخبر . قاله في الكافي .
وكذا يرث الكافر ولو مرتداً إذا أسلم قبل قسم ميراث مورثه المسلم
وكذا زوجة أسلمت في عدة قبل القسم . نص عليهما . وروي عن عمر ، وعثمان ، والحسن بن علي ، وابن مسعود ، لحديث : من أسلم على شئ فهو له رواه سعيد من طريقين : عن عروة ، وابن أبي مليكة عن النبي صلى الله عليه وسلم . وعن ابن عباس مرفوعاً : كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم ، وكل قسم أدركه الإسلام فإنه على قسم الاسلام رواه أبو داود وابن ماجه . وحدث عبدالله بن أرقم عثمان : أن عمر قضى : أنه من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فله نصيبه ، فقضى به عثمان . رواه ابن عبدالبر في التمهيد بإسناده . والحكمة فيه الترغيب في الإسلام، والحث عليه .
والكفار ملل شتى لا يتوارثون مع إختلافها روي عن علي رضي الله عنه ، لحديث : لا يتوارث أهل ملتين شتى رواه أبو داود . وهو مخصص للعمومات . وقال القاضي : الكفر ثلاث ملل : اليهودية ، والنصرانية ، ودين من عداهم . ورد بافتراق حكمهم فإن المجوس يقرون بالجزية ، وغيرهم لا يقر بها ، وهم مختلفون في معبوداتهم ومعتقداتهم وآرائهم ، يستحل بعضهم دماء بعض ، ويكفر بعضهم بعضاً . وعنه : أن الكفار يرث بعضهم بعضاً وإن إختلفت أديانهم . إختاره الخلال ، قال في الفروع ، وقدمه في الكافي ، قال : لأن مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم : لا يرث مسلم كافراً ، ولا كافر مسلما . أن الكفار يتوارثون .
فإن إتفقت أديانهم .
ووجدت الأسباب أي : أسباب الإرث
ورث بعضهم بعضاً . ولو أن أحدهما ذمي ، والآخر حربي أو مستأمن ، والآخر ذمي أو حربي لعموم النصوص ، ولم يرد بتخصيصهم نص ولا إجماع ، ولا يصح فيهم قياس ، فوجب العمل بعمومها . ومفهوم حديث : لا يتوارث أهل ملتين شتى : أن أهل الملة الواحدة يتوارثون ، وإن إختلفت الدار .
ومن حكم بكفره من أهل البدع المضلة ، كالداعية إلى بدعة مكفرة ، ما له فيء ، نص عليه في الجهمي ، وغيره . قاله في الفروع .
والمرتد ، والزنديق وهو : المنافق الذي يظهر الإسلام ، ويخفي الكفر .
فما لهم فيء يصرف في المصالح .
لا يورثون ولا يرثون لأن المسلم لا يرث الكافر ، وكذا أقاربه الكفار من يهود أونصارى أو غيرهم ، لأنه يخالفهم في حكمهم : لا يقر على ردته ، ولا تؤكل ذبيحته ، ولا تحل مناكحته لو كان إمرأة . ولا يرثون أحداً مسلماً ، ولا كافراً ، لأنهم لا يقرون على ما هم عليه ، فلا يثبت لهم حكم دين من الأديان . وعنه : يرثه وارثه المسلم . إختاره الشيخ تقي الدين ، لأنه المعروف عن الصحابة : علي وابن مسعود . قاله في الفروع . وقال في المنافق : وعند شيخنا : يرث ويورث لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأخذ من تركة المنافقين شيئاً ، ولاجعله فيئاً فعلم أن الميراث مداره على النصرة الظاهرة ، قال : وإسم الإسلام يجري عليهم في الظاهر إجماعاً . إنتهى .
ويرث المجوسي ونحوه ممن يحل نكاح ذوات المحارم إذا أسلم ، أو حاكم إلينا .
بجميع قراباته إن أمكن . نص عليه ، وهو قول : عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وزيد في الصحيح عنه ، وبه قال أبو حنيفة ، وأصحابه .
فلو خلف أمه - وهي : أخته من أبيه - ورثت الثلث بكونها أماً ، والنصف بكونه أختاً لأن الله تعالى فرض للأم : الثلث ، وللأخت : النصف . فإذا كانت الأم أختاً وجب إعطاؤها ما فرض الله لها في الآيتين ، كالشخصين ، ولأنهما قرابتان ترث بكل واحدة منهما منفردة لا تحجب إحداهما الأخرى ، ولا ترجح بها ، فترث بهما مجتمعتين ، كزوج هو ابن عم . ولا إرث بنكاح ذات محرم ، ولا بنكاح لا يقر عليه كافر لو أسلم . قاله في الفروع .
وإن أولد مسلم ذات محرم بشبهة نكاح ، أو ملك يمين ، ممن يكون ولدها ذات قرابتين ثبت نسبه للشبهة ، وورث بجميع قراباته ، لما تقدم .


باب ميراث المطلقة

رجعياً أو بائناً يتهم فيه بقصد الحرمان .
يثبت الإرث لكل من الزوجين من الآخر .
في الطلاق الرجعي ما دامت في العدة ، سواء طلقها في الصحة ، أو المرض ، قال في المغني : بغير خلاف نعلمه . وروي عن أبي بكر وعثمان وعلي وابن مسعود . وذلك لأن الرجعية زوجة يلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه ويملك إمساكها بالرجعة بغير رضاها ، ولا ولي ، ولا شهود ، ولا صداق جديد .
ولا يثبت الإرث
في البائن إلا لها إن اتهم بقصد حرمانها : بأن طلقها في مرض موته المخوف إبتداء ، أو سألته رجعياً فطلقها بائناً ، أو علق في مرض موته طلاقها على مالا غنى عنه شرعاً : كالصلاة المفروضة ، والصوم المفروض ، والزكاة . أو عقلاً : كالأكل ، والنوم ، ونحوهما .
أو أقر في مرضه .
أنه طلقها سابقاً في حال صحته ، أو وكل في صحته من يبينها متى شاء ، فأبانها في مرض موته ، فترث في الجميع أي : جميع الصور المذكورة .
حتى ولو إنقضت عدتها لما روي أن عثمان ، رضي الله عنه ، ورث تماضر بنت الأصبغ الكلبية من عبدالرحمن بن عوف ، وكان طلقها في مرض موته ، فبتها واشتهر ذلك في الصحابة ولم ينكر ، فكان إجماعاً . وروى أبو سلمة بن عبدالرحمن : أن أباه طلق أمه وهو مريض ، فمات ، فورثته بعد إنقضاء عدتها . وروى عروة : أن عثمان قال لعبدالرحمن : لئن مت لأورثنها منك ، قال : قد علمت ذلك وما روي عن ابن الزبير أنه قال : لا ترث مبتوتة فمسبوق بالإجماع السكوتي زمن عثمان ، ولأن المطلق قصد قصداً فاسداً في الميراث ، فعورض بنقيض قصده كالقاتل .
ما لم تتزوج أو ترتد فيسقط ميراثها ، لأنها فعلت باختيارها ما ينافي نكاح الأول فلم ترثه .
فلو طلق المتهم أربعاً ، وانقضت عدتهن ، وتزوج أربعاً سواهن ، ورث الثمان على السواء بشرطه لأن المبانة للفرار وارثة بالزوجية ، فكانت أسوة من سواها . قال في الإنصاف : على الصحيح من المذهب . وقال في الكافي : والثانية لا ترثه - يعني : بعد إنقضاء العدة - لأن آثار النكاح زالت بالكلية فلم ترثه ، كما لو تزوجت ، ولأن ذلك يفضي إلى توريث أكثر من أربع نسوة بأن يتزوج أربعاً بعد إنقضاء عدة المطلقة ، وذلك غير جائز . إنتهى . وإن طلقها في مرض غير مخوف ، أو في مخوف فصح منه ، ومات بعده لم ترثه في قول الجمهور ، لأن حكمه حكم الصحة في العطايا والعتاق والإقرار، فكذلك في الطلاق .
ويثبت له أي : الزوج ، الإرث دونها
إن فعلت بمرض موتها المخوف ما يفسخ نكاحها ما دامت معتدة
كذا في التنقيح ، و الإنصاف ، و المنتهى .
إن اتهمت بقصد حرمانه : كإدخالها ذكر ابن زوجها ، أو أبيه في فرجها وهو نائم ، أو إرضاعها ضرتها الصغيرة ، ونحوها ، لأنها أحد الزوجين ، فلم يسقط فعلها ميراث الآخر . وظاهر الفروع ، ك المقنع ، و الكافي ، و الشرح ، حيث أطلقوا ولو بعد العدة ، واختاره في الإقناع .
وإلا سقط ميراثه منها لو ماتت قبله لعدم التهمة .


باب الإقرار بمشارك في الميراث

إذا أقر الوارث بمن يشاركه في الإرث ، أو بمن يحجبه ، كأخ أقر بإبن للميت ولو من أمته ، نص عليه في رواية الجماعة .
صح وثبت الإرث والحجب ، فإذا أقر الورثة المكلفون بشخص مجهول النسب وصدق ، أو كان صغيراً أو مجنوناً ثبت نسبه وإرثه لأن الورثة يقومون مقام الميت في ماله وحقوقه ، وهذا من حقوقه .
لكن يعتبر لثبوت نسبه من الميت إقرار جميع الورثة حتى الزوج وولد الأم لأنهما من جملة الورثة .
أو شهادة عدلين من الورثة ، أو من غيرهم فيثبت نسبه وإرثه ، لعدم التهمة ، أشبه سائر الحقوق .
فإن لم يقر جميعهم بل أقربه بعضهم ، وأنكره الباقون ، ولم يشهد به عدلان
ثبت نسبه وإرثه ممن أقربه دون الميت ، وبقية الورثة ، لأن النسب حق أقربه الوارث على نفسه ، فلزمه كسائر الحقوق .
فيشاركه فيما بيده فإذا أقر أحد إبنيه بأخ لهما فللمقربه ثلث ما بيد المقر . نقله بكر بن محمد ، لأن إقراره تضمن أنه لا يستحق أكثر من ثلث التركة ، وفي يده نصفها ، فيفضل بيده سدس للمقربه .
أو يأخذ الكل إن أسقطه كأخ أقر بإبن ، لأنه أقر بانحجابه عن الإرث .


باب ميراث القاتل

لا إرث لمن قتل مورثه بغير حق ، أو شارك في قتله ولو خطأً
إن لزمه قود ، أو دية ، أو كفارة ، لما تقدم في موانع الإرث .
فلا يرث من سقى ولده دواءً فمات ، أو أدبه ، أو فصده ، أو بط سلعته فمات ، لأنه قاتل ، واختار الموفق : أن من أدب ولده ونحوه ، أو فصده ، أو بط سلعته لحاجته يرثه ، وصوبه في الإقناع ، لأنه غير مضمون .
وتلزم الغرة وهي : عبد أو أمة ، قيمتها : خمس من الإبل
من شربت دواء فأسقطت جنينها ، لما يأتي في الجنايات .
ولا ترث منها شيئاً لأنها قاتلة .
وإن قتله بحق ورثه ، كالقتل قصاصاً أو حداً أو دفعاً عن نفسه
كالصائل إن لم يندفع إلا بالقتل ، لأنه غير مضمون بشئ مما تقدم .
وكذا لو قتل الباغي العادل ، كعكسه بأن قتل العادل الباغي فيرثه ، لأنه فعل مأذون فيه شرعاً ، فلم يمنع الميراث ، أشبه ما لو أطعمه باختياره فأفضى إلى تلفه .


باب ميراث المعتق بعضه وما يتعلق به

الرقيق من حيث هو أي : بجميع أنواعه : كالمدبر ، والمكاتب ، وأم الولد ، والمعلق عتقه على صفة قد تقدم في الموانع أنه :
لا يرث لأنه لو ورث لكان لسيده ، وهو أجنبي .
ولا يورث بالإجماع ، لأنه لا مال له فإنه لا يملك ، ومن قال : يملك بالتمليك ، فملك ضعيف غير مستقر يرجع إلى سيده ببيعه ، لحديث : من باع عبداً وله مال فماله للبائع ، إلا أن يشترطه المبتاع فكذلك بموته .
لكن المبعض يرث ويورث ، ويحجب بقدر ما فيه من الحرية وهو قول : علي وابن مسعود ، لحديث ابن عباس مرفوعاً : قال في العبد يعتق بعضه : يرث ويورث على قدر ما عتق منه . رواه عبدالله بن أحمد بإسناده . ولأنه يجب أن يثبت لكل بعض حكمه ، كما لو كان الآخر مثله . وقال زيد بن ثابت : لا يرث ولا يورث وقال ابن عباس : هو كالحر في جميع أحكامه : في توريثه ، والإرث منه ، وغيرهما .
وإن حصل بينه وبين سيده مهايأة فكان يخدم سيده بنسبة ملكه ، ويكتسب بنسبة حريته ، أو قاسمه في حياته
فكل تركته لوارثه لأنه لم يبق لسيده معه حق .
وإلا فبينه - أي : وارث المبعض -
بين سيده بالحصص لما تقدم .


باب الولاء

من أعتق رقيقاً أو بعضه ، فسرى إلى الباقي ، أو عتق عليه برحم ، أو فعل أو عوض أو كتابة أو تدبير أو إيلاد أو وصية ، أو أعتقه في زكاته أو نذره أو كفارته ، فله عليه الولاء بالإجماع ، لقوله صلى الله عليه وسلم الولاء لمن أعتق متفق عليه .
وعلى أولاده وإن سفلوا ، لأنه ولي نعمتهم ، وبسببه عتقوا ، ولأنهم فرعه ، والفرع يتبع أصله ، فأشبه ما لو باشر عتقهم .
بشرط كونهم من زوجة عتيقة لمعتقه أو غيره .
أو أمة للعتيق ، فإن كانوا من أمة الغير فتبع لأمهم حيث لا شرط ولا غرور ، وإن كانوا من حرة الأصل فلا ولاء عليهم ، لأنهم يتبعونها في الحرية ، فتبعوها في عدم الولاء .
وعلى من له أي : العتيق
أو لهم - أي : أولاده -
عليه الولاء لأنه ولي نعمتهم ، وبسببه عتقوا .
وإن قال : أعتق عبدك عني مجاناً أي : بلا عوض ،
أو عني فقط
أو عنك ، وعلي ثمنه فلا يجب عليه أن يجيبه ، لأنه لا ولاية له عليه .
إن أعتقه ولو بعد أن إفترقا
صح العتق
وكان ولاؤه للمعتق عنه كما لو قال له : أطعم أو إكس عني .
ويلزم القائل ثمنه فيما إذا إلتزم به بأن قال : وعلي ثمنه . ولو قال : أعتقه والثمن علي ، ففعل فالولاء للمعتق ، لأنه لم يعتقه عن غيره ، فأشبه ما لو لم يجعل له جعلاً . قاله في الكافي ، لحديث : الولاء لمن أعتق .
وإن قال الكافر : إعتق عبدك المسلم عني وعلي ثمنه
فأعتقه صح عتقه ، لأنه إنما يملكه زمناً يسيراً ، فاغتفر يسير هذا الضرر ، لتحصيل الحرية للأبد .
وولاؤه للكافر لأن المعتق كالنائب عنه ويرث الكافر بالولاء روي عن علي ، رضي الله عنه ، واحتج أحمد بقول علي : الولاء شعبة من الرق . ولعموم حديث : الولاء لمن أعتق .


فصل

ولا يرث صاحب الولاء إلا عند عدم عصبات النسب لأنه فرع على النسب ، فلا يرث مع وجوده . لا نعلم في ذلك خلافاً ، لما روى سعيد عن الحسن مرفوعاً : الميراث للعصبة ، فإن لم يكن عصبة فللمولى . وعنه أن رجلاً أعتق عبداً ، فقال للنبي ، صلى الله عليه وسلم : ما ترى في ماله ؟ فقال : إن مات ولم يدع وارثاً فهو لك . وعن ابن عمر مرفوعاً : الولاء لحمة كلحمة النسب ، رواه الشافعي وابن حيان ، ورواه الخلال من حديث عبدالله بن أبي أوفى . والمشبه دون المشبه به ، وأيضاً فالنسب أقوى من الولاء ، لأنه يتعلق به المحرمية ، وترك الشهادة وسقوط القصاص ، ولا يتعلق ذلك بالولاء .
وبعد أن يأخذ أصحاب الفروض فروضهم لحديث : ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما بقي فلأولى رجل ذكر . وعن عبدالله بن شداد ، قال : أعتقت إبنة حمزة مولى لها ، فمات وترك إبنة ، وإبنة حمزة ، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم إبنته : النصف ، وإبنة حمزة : النصف . رواه النسائي وابن ماجه .
فعند ذلك يرث المعتق ولو أنثى بلا خلاف ، لعموم ما تقدم . وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك في حديث بريرة .
ثم عصبته الأقرب فالأقرب لما روى سعيد بإسناده عن الزهري : أن النبي ، صلى الله عليه وسلم قال : المولى أخ في الدين ، وولي نعمة يرثه أولى الناس بالمعتق . وروى أحمد عن زياد بن أبي مريم : أن إمرأة أعتقت عبداً لها ، ثم توفيت وتركت إبناً لها وأخاها ، ثم توفي مولاها ، فأتى أخو المرأة و إبنها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في ميراثه ، فقال ، صلى الله عليه وسلم : ميراثه لإبن المرأة . فقال أخو المرأة : يا رسول الله ، لو جر جريرة كانت علي ، ويكون ميراثه لهذا ؟! قال : نعم . وعن إبراهيم قال : إختصم علي والزبير في مولى صفية ، فقال علي : مولى عمتي وأنا أعقل عنه ، وقال الزبير : مولى أمي وأنا أرثه فقضى عمر على علي بالعقل ، وقضى للزبير بالميراث ، رواه سعيد ، وإحتج به أحمد .
وحكم الجد مع الإخوة في الولاء كحكمه في النسب نص عليه .
والولاء لا يباع ولا يوهب ولا يوقف ولا يوصى به ولا يورث
وهو قول جمهور الصحابة ، ولم يظهر عنهم خلافه ، لحديث ابن عمر قال : نهى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عن بيع الولاء وهبته . متفق عليه . وحديث : الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب . رواه الخلال . ولا يصح أن يأذن لعتيقه فيوالي من شاء روي عن عمر وابنه وعلي وابن عباس وابن مسعود ، لأنه كالنسب . وشذ شريح ، فقال : يورث كما يورث المال . ولنا ما تقدم ، وإجماع الصحابة .
وإنما يرث به أقرب عصبات المعتق يوم موت العتيق قال ابن سيرين : إذا مات العتيق نظر إلى أقرب الناس إلى الذي أعتقه ، فيجعل ميراثه له . وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً : ميراث الولاء للكبر من الذكور، ولا يرث النساء من الولاء ، إلا ولاء من أعتق فلو مات المعتق وخلف إبنين ، ثم ماتا ، وخلف أحدهما إبناً وخلف الآخر تسعة بنين ، ثم مات العتيق ، كان الولاء بينهم على عددهم : لكل واحد عشرة ، كالنسب . قال الإمام أحمد : روي هذا عن : عمر وعثمان وعلي وزيد بن حارثة وابن مسعود ، وبه قال أكثر أهل العلم .
ولو اشترى أخ وأخته أباهما فعتق عليهما ، ثم ملك قناً فأعتقه ، ثم مات الأب ، ثم العتيق ، ورثه الإبن بالنسب دون أخته بالولاء ، لأن عصبة المعتق من النسب تقدم على مولى المعتق ، وتسمى : مسألة القضاة . يروى عن مالك أنه قال : سألت سبعين قاضياً من قضاة العراق فأخطؤوا فيها . ذكره في الإنصاف .
لكن يتأتى إنتقاله من جهة إلى أخرى في مسائل جر الولاء .
فلو تزوج عبد بمعتقه فولاء من تلده لمن أعتقها لأنه سبب الإنعام عليهم لأنهم صاروا أحراراً بسبب عتق أمهم .
فإن عتق الأب انجر الولاء لمواليه لأنه بعتقه صلح للإنتساب إليه ، وعاد وارثاً وولياً ، فعادت النسبة إليه وإلى مواليه . وروى عبدالرحمن عن الزبير: أنه لما قدم خيبر رأى فتية لعساً ، فأعجبه ظرفهم وحالهم ، فسأل عنهم ، فقيل له : إنهم موال لرافع بن خديج ، وأبوهم مملوك لآل الحرقة ، فاشترى الزبير أباهم فأعتقه ، وقال لأولاده إنتسبوا إلي ، فإن ولاءكم لي ، فقال رافع بن خديج : الولاء لي ، لأنهم عتقوا بعتقي أمهم ، فاحتكموا إلى عثمان : فقضى بالولاء للزبير ، فاجتمعت الصحابة عليه . واللعس : سواد في الشفتين تستحسنه العرب . وإن عتق الجد لم ينجر الولاء نص عليه ، لأن الأصل بقاء الولاء لمن ثبت له ، وإنما خولف هذا الأصل في الأب ، لإجماع الصحابة عليه ، فيبقى فيمن عداه على الأصل . قاله في الكافي .